السلطان طومان باي وكيف تم اعدامه على باب زويلة : لم تكن قصة السلطان طومان باي وكيف تم اعدامه على باب زويلة مجرد حدث عابر أو نهاية عادية لأحد سلاطين مصر المحروسة، بل يعتبر إعدامه بمثابة النهاية لدولة المماليك التي استمر حكمها في مصر قرابة قرنين ونصف منذ عام 1250 وحتى 1517م ، وسقوطا مدويا للخلافة العباسية وبداية جديدة للعهد العثماني.

من هو السلطان طومان باي وكيف تم اعدامه على باب زويلة ؟

هو السلطان الأشرف أبو النصر طومان باي، من مواليد مدينة حلب بسوريا في 1474م، وهو يعد آخر سلطان من سلاطين المماليك الشراكسة في مصر، حيث يحتل المرتبة ال 27 من بينهم، وهو أحد أبطال التاريخ الذين قل أن يجود الزمان بمثلهم، ومن أعظم المماليك الذين حكموا مصر.

تنبع شهرة طومان باي من حبه الشديد لمصر فقد دافع عنها باستماته ضد العثمانيين بقيادة سليم الأول آنذاك، وأذاقهم الأمرين حتى تمكنوا من الإيقاع به من خلال الوشاية ثم نفذوا فيه حكم الإعدام، ولكي نعلم قصة السلطان طومان باي وكيف تم اعدامه على باب زويلة يجب أن نعلم ماهي الأحداث التاريخية التي أدت إلى ذلك؟ وكيف تولى طومان باي حكم مصر؟ وما هي أهم المعارك التي خاضها ؟ وكيف وصل طومان باي من كرسي العرش إلى منصة الإعدام؟

 ما قبل حكم طومان باي :

نجح السلطان العثماني محمد الفاتح في فتح القسطنطينية عاصمة دولة البيزنطيين في عام 1453، مما جعل العثمانيون يتوقون لمزيد من الفتوحات والتوسعات في القطر العربي بدلا عن دول أوربا في إطار تعزيز النفوذ وضم أكبر قدر من الأراضي للدولة العثمانية، خاصة بعد تزايد قوة الدولة الصفوية التي كانت تعتبر العدو الأكبر للدولة العثمانية، و أرسل السلطان العثماني سليم الأول لسلطان المماليك قنصوه الغوري وهو الحاكم الذي يسبق طومان باي مباشرة في توليه لعرش مصر، يطلب منه أن يمد يد العون والمساعدة للعثمانيين ويدعوه للتحالف معه في حربه ضد الفرس، ولكن قنصوه الغوري لم يستجب وفضل أن يبق على الحياد بين الطرفين خاصة أنه كان يخشى من أطماع سليم الأول على ملكه إذا أنتصر على الفرس.

وبالفعل أنتصر سليم الأول في معركة (جالديران)  انتصارا حاسما مما دفع قنصوه الغوري لمحاولة استرضائه فأرسل له يعرض عليه أن يتوسط بينه وبين الشاه إسماعيل الصفوي سلطان بلاد فارس الذي فر هاربا بعد المعركة، إلا أن سليم الأول صب جام غضبه على الرسل وأساء معاملتهم، وكان سليم الأول قد استقر على القضاء على حكم الدولة المملوكية بعدما تشاور مع وزرائه وكبار القادة.

وذلك لأنه لم ينس تخاذل المماليك عن التحالف معه في حربه ضد الصفويين، فأرسل رسالة لقنصوه الغوري يطلب منه الدخول تحت طوعه وكان الهدف من الرسالة استدراج لإعلان الحرب  السلطان الغوري للحرب، ومما زاد الطين بلة ارتكاب قنصوه الغوري لخطأ سياسي فادح وهو إهانة وفد السلطان سليم وتوبيخهم انتقاما مما فعله سليم برسله، بدلا من انتهاز الفرصة وإصلاح ما بينهم، وتلاقى الجيشين في معركة (مرج دابق) والتي كانت نقطة فاصلة في حياة طومان باي، وبداية جلوسه على عرش مصر المحروسة.

معركة مرج دابق :

قامت معركة مرج دابق بين العثمانيين بقيادة السلطان سليم الأول وبين المماليك بقيادة قنصوه الغوري في أغسطس 1516، وكانت تقع بالقرب من حلب، وترك الغوري ابن أخيه طومان باي نائبا عنه في مصر، وانتهت المعركة بانتصار العثمانيين الذين فاقوا المماليك عددا وعدة، ومقتل قنصوه الغوري خلال انسحابه من المعركة.

تولي السلطان طومان باي حكم مصر :

ذاعت أنباء هزيمة الجيش المملوكي في أنحاء مصر، وأجمع أمراء المماليك على اختيار طومان باي سلطانا لمصر، ولكنه امتنع في البداية لوجود الفتنة التي أحدثها بعض أمراء المماليك والتي نتج عنها نهب سوق خان الخليلي وقتل التجار بحجة أنهم ذوي أصل عثماني، ثم وافق طومان باي بعد الحاح الأمراء وقسمهم له على السمع والطاعة.

 

مواجهته للعثمانيين في معركة الريدانية :

عزم طومان باي على الخروج لقتال قام السلطان بجمع جيش نصف عدده من المماليك ونصفه الآخر من الأهالي ولكن مع  الأسف واجهه تخاذل المماليك كالعادة، وأثناء هذه الفترة أرسل إليه السلطان سليم الأول يساومه على بقائه على عرش مصر مقابل إعلان ولائه للدولة العثمانية، و رفض طومان باي العرض وخرج إلى الريدانية في 22 يناير 1517م لملاقاة جيش بني عثمان بعدما وضع خطة محكمة وقام بعمل الاستعدادات والتجهيزات للمعركة، حيث حفر جيشه الخنادق وأقام الدشم لعدد 100 مدفع، وكان يهدف إلى مفاجئة العثمانيين والانقضاض عليهم، ولكن الخيانة كانت السبب الرئيسي في تحول سير المعركة عن طريق أحد المماليك الذين كانوا بخدمة العثمانيين وهو والي حلب (خاير بك) بالتعاون مع صديقه(جان بردي الغزالي) المملوك الذي لم يكن على وفاق مع السلطان، فكشفوا خطة طومان باي للعثمانيين.

فلجأ سليم الأول حينئذ لعمل خطة تمويهية والتف حول جبل المقطم وباغت جيش المماليك من الخلف، وكانت الريدانية من أشد المعارك ضراوة استمرت لمدة ثماني ساعات فقد فيها العثمانيون العديد من الرجال وقتل طومان باي الصدر الأعظم للجيش العثماني سنان باشا ظنا منه أنه السلطان، وبالرغم من بسالة المماليك وشجاعتهم إلا أنهم لم يستطيعوا الصمود أمام الجيش العثماني لفترة طويلة بفضل تفوق العثمانيون في العدد والعتاد، ودخل سليم الأول القاهرة في 26 يناير 1517م في موكب مهيب يتقدمه القضاة والخليفة العباسي، ورُفِعت الرايات العثمانية الحمراء على أبواب القاهرة.

أسر السلطان طومان باي وكيف تم اعدامه على باب زويلة؟

لم يهنأ السلطان سليم الأول بعد دخوله القاهرة فلقد استمر طومان باي في المقاومة الشديدة بمساعدة أهالي مصر الذين كانوا يدينون له بالولاء، وأذاق العثمانيون الأمرين في عدة مواضع حتى كاد أن يفتك بالسلطان العثماني في إحدى الغارات ببولاق، واستمرت المعركة سجالا بينهم إلى أن انكسرت شوكة طومان باي ومقاومته في معركته الأخيرة بمنطقة وردان والتي تسمى إمبابة حاليا، فلجأ إلى أحد مشايخ العرب وهو (حسن بن مرعي)، الذي سرق حصانه ووشى به للعثمانيين فقبضوا عليه وعرض عليه سليم الأول في بادئ الأمر الانضمام لرجاله ولما رفض طومان باي فأمر بإعدامه شنقا على باب زويلة.

نهاية السلطان طومان باي وكيف تم اعدامه على باب زويلة؟

كانت نهاية طومان باي كنهايات معظم الأبطال البواسل الذين يستقبلون الموت بابتسامة ساخرة وصدر رحب، فقد تحرك موكبه للمرة الأخيرة من معسكر العثمانيين بإمبابة مرورا ببولاق وأخترق القاهرة وانتهى الموكب عند باب زويلة تحت حراسة 400 جندي انكشاري، وكان طومان باي مقيدا فوق فرسه و ظل يسلم على أهالي القاهرة الذين اصطفوا على الجانبين ليلقوا عليه نظرة الوداع الأخير، ويقال أنه لم يكن لديه علم بأمر الإعدام إلا بعد وصوله إلى باب زويلة، وبالرغم من ذلك لم تهتز له شعرة بل وقف على قدميه وتقدم نحو منصة الإعدام بخطى ثابتة ورباطة جأش لم تتوفر لدى الكثير من الحكام في مثل هذا الموقف العصيب، و طلب من الناس قراءة الفاتحة ثلاث مرات ثم التفت للجلاد وطلب منه تنفيذ المهمة الموكل بها، وتم شنقه في 22 ربيع أول ستة 923 هجرية، الموافق 13 أبريل 1517م وسط نحيب الأهالي وصراخهم حزنا عليه، وظلت جثة طومان باي معلقة ثلاثة أيام كاملة على باب زويلة ثم دُفِنت في قبة السلطان الغوري.

وفاء المصريين لذكرى طومان باي :

يقول ابن اياس الحنفي أحد أهم مؤرخي العصر المملوكي أن المصريين استمروا في حزنهم على طومان باي 40 يوما كاملا، وهو ما أثار حفيظة سليم الأول فدفعه إلى إباحة المحروسة لجنوده لمدة 21 يوما عقابا لشعب مصر على وفائه لطومان باي، ولا زال طومان باي ذلك الفارس النبيل والقائد العظيم يحتل مكانة عظيمة في قلوب المصريين منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا، وما زال اسمه يتصدر أكبر شارع في أحد أهم أحياء القاهرة الحيوية وهو (حي الزيتون)، واستمر وفاء أهل مصر لذكراه عقودا طويلة فظلوا كلما مروا بباب زويلة يقرأون الفاتحة على روح السلطان الأشرف طومان باي آخر سلاطين المماليك الشراكسة والذي كان موته نهاية لدولة المماليك وإيذانا ببداية العهد العثماني في مصر المحروسة، وبهذا تكون قد انتهت قصة السلطان طومان باي وكيف تم اعدامه على باب زويلة.

اقرأ ايضا

كتب عليك قرأتها قبل بلوغ سن الثلاثون

مروة فتحي